الخميس، 2 يونيو 2016

جنرال موتور


ترك الشيخ توري بعد وفاته بلدا مهلهلا من جميع النواحي ، فحكمه الطويل  لم يخلف سوى اقتصاد فاشل وعملة بدون قيمة و جيشا فاسدا و إرثا سياسيا مثقلا بالصراعات بين قوميات غينيا المختلفة و تركة سياسية  مليئة بالممارسات القمعية و عبادة الفرد.
الشيء الإيجابي  الوحيد الذي ورثه الشعب من تركة النظام الفاشل هو خدمة البريد ،  فلقد كان الشيخ توري قبل أن يصل للسلطة ساعي بريد  فبادر بعد اعتلائه سدة الحكم  بالتركيز الكامل على هذا القطاع ، فلم يبق كوخ في البلد بدون صندوق بريدي ، كما اكتتب له الآلاف من الموظفين و استثمر فيه مبالغ طائلة ، رغم أن الأكثرية الساحقة من الشعب الغيني فقراء لدرجة أنهم لا يستطيعون  شراء الطوابع و لا حتى الأوراق  و الأقلام و أميون لا يعرفون كتابة الرسائل و لا حتى كتابة أسمائهم.
اليوم نرى في موريتانيا حالة مشابهة ، فمنذ اليوم الأول لوصول و لد عبد العزيز للسلطة و جميع القطاعات الاقتصادية تشهد تراجعا ، فالصيد  تعرض لخسائر هائلة بسبب تحريم تصدير العديد من الأنواع ، المنع الذي أدى إلى حرمان السوق من ملايين الدولارات من العملة الصعبة ،وتسبب في عزوف الصيادين عن صيد الأنواع الممنوعة من التصدير ، فهي أنواع فاخرة  يصعب صيدها بسبب الندرة ولا يستطيع السوق المحلي تقديم سعر يناسب الجهد المبذول في صيدها ، كما ان بعض الأنواع الممنوعة من التصدير هي أسماك مهاجرة فإما أن نصطادها أو نتركها لشباك صيادي الدول المجاورة.
بعد أن ظهرت كارثية التجربة عاد و لد عبد العزيز عن قوانينه الفاشلة ، و لكن قطاع الصيد تعرض لخسائر تركته في حالة مزرية يحتاج التعافي منها لسنوات من العمل.
لم يكتف الجنرال بهذا القطاع فقط بل امتدت أياديه لزراعة الأرز الذي منعت عنه المساعدات لينهار بشكل نهائي، لتتبخر آلاف فرص العمل ولتضيع  تراكمات عقود من العمل وعشرات المليارات التي سبق ان صرفت لرعاية هذا القطاع وتنميته.
كما اهتزت الثقة في  قطاع الأعمال بعد حملة تصفية الحسابات السياسية مع خصوم الجنرال والتي جعلت الكثيرين يخافون على أموالهم ويعزفون عن استثمارها في دولة قانونها الوحيد رغبات ونزوات حاكمها العسكري.
حتى القطاع السياحي قارب من الانقراض  بعد الانفلات الأمني الذي لم تعرف له موريتانيا مثيلا ، فشهدنا للمرة الأولى في تاريخ البلد  عملية انتحارية و اختطاف السياح الأجانب و درجة مخيفة من ارتفاع جرائم القتل.
إلا أن القطاع الوحيد الذي لم يشهد أي تراجع هو المرتبط بالسيارات و كل ما يتعلق بها من قريب أو بعيد، كالطرقات فجنرالنا على معرفته عميقة بالميكانيكا و أخطار الطرق الرملية على نوابض السيارات و هياكلها.
فعبّد  الكثير الشوارع و أنشأ  قيادة أركان جديدة مختصة بأمن الطرقات و استحدث هيئة للفحص الميكانيكي ، و قام بحملات لمصادرة السيارات غير المجمركة و رفع الضريبة السنوية عليها  وسن  القوانين لتعويض النقل ليستطيع مصادرة السيارات المخصصة لموظفي الدولة. كما  أنه اشترى المئات من السيارات للقوات المسلحة ظانا أنه بذلك يحل مشكلة الأمن المنفلت و الهجمات الإرهابية المتكررة.
حتى أنه في زيارته للجمهورية الإيرانية بدأ مطالبه  بالسيارات و الطريف في الأمر إن نشاطاته في إيران لم تتعد اللقاءات بالقيادات السياسية الإيرانية و زيارة قبر الإمام الخمينى المفروضة في البرتوكول و اقتصر في جولاته في هذا البلد المليء بالمعالم التاريخية و المنشئات الهامة على زيارة مصنع للسيارات.
إنها نفس مشكلة الشيخ توري مع البريد ، إنها المهنة و التخصص المصحوبة  بالجهل الفاضح  الذي يصور لصاحبه دائما أنه الأكثر خبرة و الأعمق فكرا ، و الدكتاتورية التي تحيد كل نقد و ترفض الرأي المخالف  و تحتقر العلم و الكفاءة وأصحاب الخبرة ،  فكلا القائدين أقتصر في تحليله لمشاكل بلده و أسلوب التنمية الأمثل على خبراته ومعارفه الذاتية  ، فرأى الأول أن البريد هو الطريق الوحيد للتنمية بينما رأى الثاني أن مشكلة موريتانيا هي مشكلة سيارات بالدرجة الأولى.

 نشر في موقع تقدمي بتاريخ 30/1/2010


السبت، 2 نوفمبر 2013

صفقة الكذاب و الطماع




رباط البحر ، الصرف الصحي للعاصمة و مياه ظهر النعمة ، مشاريع رائدة و عظيمة و خارقة كما علمنا التلفزيون الوطني و كما كررت علينا أبواق الدعاية ، صحيح اننا لم نر منها أي شيء رغم التدشينات والاحتفاليات و لكن لا بأس فهي على الأقل تدل على ان في خيال النظام أفكارا جميلة و طيبة فكما يقول الحديث النبوي "إنما الأعمال بالنيات ......".

تأكدوا ان ولد عبد العزيز سيحصل على اجر النية كما سنحصل نحن على متعة الحلم الجميل.

الاثنين، 21 أكتوبر 2013

أكسلانس



قرأت مرة في مقابلة مع احد اساطين الدبلوماسية العراقية  أنه حين كان سفيرا بلندن  حصلت معه قصة طريفة  خلال التحضير لاستقبال الأمير عبد الإله الوصي على عرش الملك الطفل فيصل الثاني.

تتلخص الواقعة في ان احد المستشارين في السفارة طلب الإعفاء من استقبال الأمير المبغوض و رمز العمالة للإنجليز.


دهش السفير من  الاستعفاء الغريب  للدبلوماسي الشاب وراح يهدئ من روعه و يجبر خاطره و يقول له في ابوية و حنان صبرا يا بني فقد تحمل العراق هولاكو وغيره من الطغاة العابرين ، إننا نستقبل هذا المخلوق احتراما للعراق و رأفة بأهله من الفتنة و كلنا نأمل بل و نعمل على الخلاص من هذه الحالة المعيبة و المشينة.

الاثنين، 23 سبتمبر 2013

آخر ابداعات الجيوش العربية



تعددت و تنوعت خساسات الجيوش العربية ، بدأ بالهزائم المنكرة في كل مواجهة مع الأعداء  و احتراف الانقلابات  و انجاب حكام مجانين مثل الراحل معمر القذافي وسفاحين لا يترددون في قصف شعوبهم بالأسلحة الكيماوية ومواجهة الأعداء بالقنابل الحنجورية مثل بشار الأسد ولصوص من طراز  محمد ولد عبد العزيز.

الإبداع الجديد للجيوش العربية و الغير المسبوق هو تخويف الأطفال... نعم الجيش المصري العظيم يرسل جنوده و ضباطه بأسلحتهم الى المدارس لإرعاب الأطفال ......

لا عجب غدا ان يتم توزيع الأوسمة على الضباط الذين استماتوا في تأدية مهمتهم السامية ، فيوشح هذا اللواء بوسام "بو اربعين اظفر" و يشرّف ذلك العقيد بنوط "قوقوه" و ان يروي المؤرخون العسكريون في سيرة احد القادة الكبار مشاركته في قيادة لكتبية صاعقة  في  معركة تخويف بمدرسة ابتدائية وكيف صرخ وجه طلفة صغيرة حتى بالت في ثيابها.

السبت، 21 سبتمبر 2013

أجمل ما في طفولتي



لن اكذبكم ، لم أكن في طفولتي حسن الأخلاق  و لا مجتهدا في الدراسة  و لكن اتذكر صفة حميدة اكتسبتها من بلاد الشام التي عشت فيها جل صباي.

كنت أقف مع ابناء الحي  يوم الجمعة على سلم المسجد  و أمامنا ملائة بيضاء كبيرة نجمع فيها التبرعات للإيتام و الفقراء و بناء دور العبادة.

كان اصدقائي من المشهود لهم بالشقاوة و الطيش .. لكننا رغم ذلك لم نمد يدنا مرة الى أموال التبرعات مع اننا لم نكن نتردد في السطو على جيوب ابائنا و محافظ امهاتنا أو على قنينة مشروبات و قطعة شوكولا من المحلات المجاورة.

كنا نحترم المسجد  و نجل الإمام و نبادر الى تقبيل يديه بمجرد رؤيته... 

اتذكر مرة انني كنت مع الوالد في احد الأعياد الدينية بالمسجد الأموي و بعد انتهاء الصلاة سرت خلفه للسلام على  مفتي سوريا و بمجرد وصولي اليه مد لي يده بشكل أفقي، فأمسكتها و هززتها ، فضحك و سألني عن بلدي...

عرف مباشرة انني غريب ، لأن أطفال الشام  في سني يقبلون ايدي الأئمة والعلماء.

طبعا لم اكن اجرؤ على نفس التصرف لو كنت مع عصبة اصدقائي ، فهم صغار العقول و ربما يتهمونني بالكفر بالله و الرسول و يطلقون الإشاعات في كل الأحياء المجاورة عن الموريتاني الملعون.

آه لو تعرفون مدى الألم الذي ينتابني الآن عندما اشاهد رجل دين يمارس النفاق ، احس انه يسرق أجمل ما في طفولتي ، اقدس الأشياء في حياتي ، أحس انه تاجر نخاسة يبيع آلام بلال  و دماء سمية و شيب ابي بكر و أحزان علي ودموع اليتيم الفقير الذي غير وجه التاريخ بالحب و الرحمة صلوات الله عليه و على آله الطيبين الطاهرين و اصحابه الغر الميامين.

الجمعة، 20 سبتمبر 2013

حكمة "قرفاف"



استمعت في حياتي للكثير من البلاهة ، و التقيت بأعظم الأغبياء و خَبرت انواع المغفلين  و لكني لم ار ابدا مثل بعضهم ممن يقود حملة على احمد ولد داداه لتلبيته دعوة الرئيس المالي لحضور حفل تنصيبه.

ولد عبد العزيز أدخل مالي في دوامة حرب ضروس ، دعم حركات التمرد ، و حاول اقناع المجتمع الدولي بأن الأعمال المسلحة مجرد مطالبة بحقوق مشروعة و تجلى ذلك في تصريح وزير الخارجية الشهير في بداية الأحداث .

بعد فترة وجيزة اكتشف العالم صدق الرواية المالية بعد ان تمكن الجهاديون من السيطرة على الشمال بأكمله ليظهر لهم مدى تفاهة انفصاليي ولد عبد العزيز ودرجة غباء  تحليله المبني على ان الحركات المدعومة من موريتانيا  ستتولى القضاء على التنظيمات المقاتلة نيابة عن المجتمع الدولي.

طبعا لم يتدخل ولد عبد العزيز عند اشتداد الوطيس و تحرك القاعدة وحلفائها نحو الجنوب المالي ولحس كل اقواله السابقة عن جبن القيادة المالية و ترددها امام حفنة "اللواويد".... فتجربته في واغادو و حاسي سيدي غيرت تماما طريقة تفكيره بعد ان اصبحت قواته الباسلة اضحوكة لصحافة المنطقة بعد نشر صور معداتها الجديدة جدا بين ايدي المقاتلين الأصوليين.

الطبيعي ان لا يقوم الماليون بدعوته ،  ولكن الأغرب ان يقموا بواجبهم البرتوكولي و يرفض ولد عبد العزيز التلبية .....! و الأعجب  من كل هذا ان يطالب البعض ولد داده بالتضامن معه في "كسحته" .

هل هما حليفان ؟ أم عشيقان ؟ و هل سبق للجنرال استشارة زعيم المعارضة في اسفاره؟ و هل يحدد كل منهما للآخر اصدقائه ؟

و على رأي الحكيم "قرفاف" :
"شخالط  طير وبخنوس"

الثلاثاء، 17 سبتمبر 2013

فيضان 40 ميليمتر



أتيحت لي الفرصة ان اقيم في بلدان ذات مناخ شبه استوائي و استوائي ، مثل بنين و نيجيريا و أثيوبيا ، الأمطار في هذه الأقاليم تستمر ستة اشهر متوالية بدون توقف تقريبا و معدلات الأمطار تصل في يوم واحد أحيانا الى 500 مليمتر و الناس تمارس حياتها بشكل طبيعي تماما ، الشيء الذي لم اتصوره و لا يمكن ان يقبل به عاقل هو ان  تتسبب 40 مليمتر بإغراق مدينة و مع هذا نجد بعض ضعاف الأنفس من التبريريين المحترفين يحاول ان يصور الأمر و كأنه شيء طبيعي ، و كأننا تعرضنا لإعصار أو تسونامي او فيضان.

أتذكر أنني منذ سنوات كنت اناقش أخي  المرحوم أحمد محمود ولد محمد الحسين حول أخطار غرق نواكشوط بسبب ارتفاع مستوى البحر بصفته مهندس مياه ، كان جوابه ان الخطر الحقيقي ليس البحر بل هو ارتفاع مستوى المياه السطحية لغياب الصرف الصحي و انه اذا استمر الأمر لسنوات فإن المياه قد تخرج للسطح و تهدم المدينة عن بكرة ابيها ، او الاحتمال الآخر ان تفقد التربة قابليتها لامتصاص مياه الأمطار بسبب تشبعها بالماء.

هناك تجار خسروا كل ما يلمكون  و هنالك بيوت لم تعد صالحة للسكن البشري و مئات الآلاف ممن سيصابون بأمراض مزمنة بسبب المياه الملوثة و تسربها الى شبكات المياه المهترئة و مع هذا تسمر الأيدي المصفقة و الألسن المنافقة في التبرير و البحث عن الحجج لإنقاذ ماء وجه نظام العفونة و اللصوصية الذي اختلس في السنوات الأخيرة ما يكفي لشبكة صرف صحي تغطي كل مدن موريتانيا ، صفقة السنوسي 250 مليون دولار ، منهوبات سونيمكس 100 مليون دولار ، امتيازات السكر للغدة السرطانية 230 مليون دولار ، اموال المنحة السعودية 50 مليون دولار و الكثير الكثير من الصفقات الجزئية التي تصل الى ارقام فلكية.

الحقيقة المرة اننا نستحق ما نحن فيه ، أئمتنا منافقون ، مثقفونا مشغولون بهز اوراكهم لإطراب الحكام و جل شبابنا مشغول في متابعة الدوري الإسباني و عسكرنا مهموم بالمنافسة في بناء القصور في تفرغ زينة و مطاردة الغانيات ، شيوخ قبائلنا و وجهائنا يصطفون على ابواب السلطة في سباق محموم للعق الأحذية و تقبيل الأرجل و التغني بأمجاد معارك الأجداد على معزاة او تيس و الفخر  بمؤلفات تافهة في شرح حواشي شرح نظم كتاب اصفر لا يغني و لا يسمن من جوع.

المتابعون