" اكذب كذبة كبيرة ثم حاول تبسيطها وكررها ، في النهاية ستصدقها".
أدولف هتلر
في الساعات الأولى من صباح 21 مارس
1968 بدأت طلائع القوات الاسرائيلية في التوغل عبر محاور ثلاث على حدودها مع الأردن حاشدة لذلك واللواء المدرع 60 ولواء
المظليين 35 ولواء المشاة 80 وعشرين طائرة هيلوكبتر لنقل المظليين وخمس كتائب
مدفعية 155 ملم و 105 ملم عبر محاور جسر الحسين و جسر الأمير عبد الله و جسر
الامير محمد و غور الصافي.
سارعت قوات الاستطلاع
الى الاتصال بالعقيد مشهور حديثة قائد
الفرقة الأولى في الجيش العربي و الذي بادر الى الزج بمقاتليه الى ارض المعركة و
أمر الضباط بأن يتقدموا جنودهم لتبدأ ملحمة عسكرية انتهت بنصر مؤزر للقوات
الاردنية و الفدائيين الفلسطينيين ليخسر
الاسرائيليون قرابة 70 جنديا و 45 دبابة و خمس طائرات.
الظريف في الامر ان
منظمة التحرير الفلسطينية أطلقت آلاتها الدعائية الضخمة مصورة ان المعركة معركتها
فقط و قللت من الدور الاردني رغم ان كل عاقل يعرف ان الجهد الاكبر في المعركة كان
على الجيش الاردني ، و بلغت المبالغة حدا قدم فيه الراحل ياسر عرفات على شاشات
التلفزة عصا للرئيس هواري بومدين مدعيا
انها سلبت من احد الجنرالات الإسرائيليين من قتلى المعركة و المضحك ان أي جنرال لم
يقتل في المعركة كما ان الجنرالات الإسرائيليين لا يحملون العصي بل يحملها المارشالات.
المهم ان هذه الكذبة
أدت الى انصباب سيل من الاموال العربية على منظمة التحرير الفلسطينية التي صورت
لهم قدرتها على تحقيق نصر عجزت عنه الجيوش العربية المشتركة و حدثت حالة من الغرور
بين منتسبي فتح و انتشار حالة من الاحتقار للجيش الاردني بشكل تجاوز كل حد و
اصبحت الاعتداءات على الاردنيين في وسط دولتهم امرا مألوفا و انتهت الكذبة بمحاولة
منظمة فتح الاستيلاء على السلطة في الاردن بعد أن تأكدوا بأن تحرير فلسطين لا ينقصه
الا تحييد السلطة الاردنية.
انتهت المحاولة
بأحداث أيلول الأسود التي تحولت الى كارثة على منظمة التحرير الفلسطينية اذ استطاع
الجيش الاردني القضاء عليهم في ساعات و انتهى الامر بانسحاب قائدها متسللا الى خارج الاردن بثياب نسوية.
انها النتيجة
الطبيعية للأكاذيب و خلق الاساطير الذي ادى في النهاية الى تصديق جماعي.
*****
أمس انقض الجيش المصري
على تجربة رائدة في الديمقراطية و الكارثة ان احد اسباب نجاحه في الانقلاب صورة
وهمية خلقتها وسائل الاعلام لهذا الجيش عبر
عقود من الزمن مما جعل بعضا من الشعب المصري ينجرف في تأييد هذا الانقلاب .
خاض الجيش المصري
ثلاث حروب في تاريخه ، حرب 48 و حرب 67 و حرب أكتوبر 1973 و بعض المناوشات في ما
اصطلح على تسميته بحرب الاستنزاف او الهجوم على ليبيا في نهاية السبعينات.
نتيجة حرب 48 معروفة
للجميع وهي ضياع جزء كبير من فلسطين ، اما حرب 67 فانتهت باحتلال بقية فلسطين
بما فيها القدس و معها ارض سيناء المصرية
و الجولان السورية.
أما حرب 73 فانتهت
بمحاصرة الجيش الثالث و تطويق مدينة
السويس غرب القناة.
نعم اراد الجيش
المصري تحرير شرق القناة فحوصرت السويس غرب القناة و الجيش الثالث بالكامل الذي لم
يجد المصريون بدا من انقاذه عبر مفاوضات الكيلو 101 التي كان من اهم بنودها تزويد
الجيش الثالث المصري بالغذاء و الماء.
انتهت الحرب برجوع
القوات الاسرائيلية الى مقرها في سيناء المصرية و انسحاب القوات المصرية الى
امكانها غرب القناة.
بكل المعايير
العسكرية تعتبر حرب 73 هزيمة و لكن الآلة الدعائية الضخمة للدولة المصرية صورتها
كنصر مؤزر و تمالئ في هذه الاكذوبة المثقفون و الكتاب و الاعلاميون لتنتهي القصة بأسطره جيش من اردأ جيوش العالم.
الكارثة لم تمتد الى
الجانب العسكري فقط و ضياع فلسطين و الاضطرار الى الانبطاح لاسترجاع سيناء و اخراج
مصر من المعادلة الدولية بل امتدت لتشمل تدمير مصر على كل الصعد انفصل السودان و تحولت مصر من سلة غذاء العالم الى المستورد الاول للقمح و احد
أكبر بؤر التهاب الكبد الوبائي و أمراض
السرطان في الكرة الأرضية ، و اما التجارب
الاشتراكية فانتهت بتعفن الاقتصاد المصري
الذي كان يوازي الاقتصاد الكوري الجنوبي في نهاية السبعينات ليصبح الانتاج القومي
لمصر اليوم أقل من قيمة أسهم شركة سامسونغ الكورية وحدها.
و اما الريادة و
القيادة للعالم العربي فانتهت بدولة
مترهلة يقودها حسني مبارك و نجله جمال و يرسم سياساتها طبال سابق يدعى احمد عز.
تحالفت المؤسسة
العسكرية مع قائدها مبارك في مشروعه لتدمير مصر ووصل بها الامر الى القبول بتوريث جمال مبارك الذي كان سيتم لولا ثورة 25 يناير التي حاول العسكر بعد تأكدهم من نجاحها
محاولة الاستحواذ عليها، و لعل الجميع يتذكر محاولات المشير طنطاوي و بقية
القيادات العسكرية لإقناع الثوار
بالانسحاب من ميدان التحرير و محاولة
تخويفهم بالطائرات الحربية و الدبابات و جهودهم بعد ذلك للالتفاف على الثورة عبر مرشحهم أحمد شفيق.
لا احد يشك في شجاعة
المقاتل المصري و إبائه و لا قدرته
الفائقة على التضحية و لا صدق الحديث النبوي " مصر خير اجناد الأرض" و
لكن الحقيقة المرة ان القيادات العسكرية كانت على الدوام موطن الداء و يكاد يجمع
المؤرخون على ان السبب الرئيسي لهزيمة 67 تدني المستوى العلمي لقائد
الجيش المصري عبد الحكيم عامر الذي عرف بتعاطي الحشيش و مطاردة الفنانات و سبق له قبل ذلك ان ادى الى تدمير مشروع الوحدة
بين مصر وسوريا و كانت ورقته الوحيدة لتبوأ المنصب الذي لا يستحق محبته المتمكنة
من قلب صديقه جمال عبد الناصر.
كما يعرف الخبراء ان
هزيمة 73 لم يؤدي لها ضعف الاداء للمقاتل المصري بقدر ما ادت اليها قرارات الرئيس السادات البعيدة كل البعد من الاحترافية.
الحقيقة المرة ان
الجيش المصري ـ مثل بقية زملائه من الجيوش العربية ـ كارثة حقيقة و سبب رئيسي
للهوة العميقة التي وصل اليها عالمنا العربي والاسلامي و المصيبة ان هذه الحقيقة محجوبة
بعواصف من الاكاذيب والدعايات و ها نحن
نرى اليوم الجيش المصري يعيد تجربة تكررت
في أغلب بلدان افريقيا ، تركيا ، البرازيل ، البرتغال ،
اسبانيا ، الارجنتين و جل الوطن العربي و لم تنجح لمرة واحدة.
إنها سيطرة الاكاذيب
و الاساطير التي رسمت صورة مغلوطة حولت الجيوش الرديئة في اذهان العامة الى أبطال و هو ما جعل بعضهم ينقاد في سذاجة الى تأييد الجيوش في انحدارها
بأوطانها نحو هاوية بدون قرار يحدوه تصور مغلوط ساهم فيه تقاعس النخب المثقفة عن
عرض حقيقة هذه الجيوش مجاملة للغوغاء و محاولة لرفع معنويات شعوبهم التي اثقلتها الهزائم و دمر قدرتها على المحاكمة
العقلية السليمة انتشار الجهل والأمية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق