الجمعة، 5 أكتوبر 2012

على مذبح الشهوات


تقول الأسطورة الصينية القديمة ان أحد الملوك اراد صناعة ناقوس  لم يسبق له مثيل ولم يصنع له شيبيه  يختلط فيه النحاس بالحديد و الذهب بالفضة.

جمع  كبار الصناع  من أرجاء المعمورة و سخر لهم كل ما طلبوا لتحقيق المراد ... ووعدهم بالحلل البهية و الجوائز السنية..

أعيت الحيلة أهل الصناعة ...فالمعادن تأبى الامتزاج .. احتار الجمع وقرروا استشارة  كبير العرافين ... دخل الرجل في خلوة...و بعد طول انتظار اشار عليهم ان الحل الوحيد هو سفك دم فتاة حسناء مع  صهارة المعادن.


ذهب الجمع الى الملك و أخبروه بوصفة  العراف فأتخذ  القرار على الفور بالبحث عن الضحية لإتمام صناعة الناقوس العجيب.



ذهب الجند الى المدينة و عثروا على فتاة  يتيمة رائعة الجمال .. سيقت البريئة كونغاي  بقوة الحراب ....كانت في غاية الرعب... صرخت و استنجدت و بكت.... لكن كبير الجند لم تطرف له و لا رق له قلب وحز جيدها العاجي  بسكين صدئة...

نجحت وصفة كبير العرافين و حمل الناقوس الى القصر الملكي ... عند قرعه خرج منه صوت عجيب ... كونغاي ... كونغاي ... كونغاي.


من ذلك اليوم اصبحت كل اجراس العالم تكرر نفس النغمة  الحزينة ....

                                   ......

في موريتانيا تذوي زهرة عمر الآلاف تحت شمس حارقة و تتصلب الأطراف في ليالي الصحاري الباردة  و يموت عمال المعادن في عز الشباب من امتلاء صدورهم بغبار الحديد في الزويرات أو بالسم الزعاف في تازيازت و أكجوجت أو برصاص قواتنا الباسلة و تلغ في دمائهم  خفافيش بشرية .. وحوش في زي بشر .. تسوقهم كالقطعان مقابل توفير العمل الذي يحتاجونه لإعالة ابنائهم و سد جوعهم.


هذه الظروف البائسة  تبررها شركة سنيم بالمشاكل المالية التي تمنعها من توفير حقوق العمال .. مع هذا تصرف الدولة اكثر من ستين مليون دولار لشراء طائرات متهالكة ـ  بدون مناقصة طبعا ـ لإنشاء خطوط جوية  من أموالها و أموال  صندوق الضمان الاجتماعي ...طائرات رفضت الخطوط السنغالية شرائها لتهالكها وأبت  جل دول العالم السماح بدخولها في مجالاتها الجوية ..ليس خوفا على الركاب  ... بل خشية سقوطها على رؤوسهم  ...


الخطوط الجوية على شفير الافلاس ... وشركة سنيم تصرف المليارات في  دخول مختلف القطاعات.. شركة للطرق  و اخرى للسياحة و ثالثة للتأمين و رابعة للترانزيت ... و القاسم المشترك بينها جميعا الفشل.


مع هذا التمدد المجنون نحو قطاعات خارج تخصصها  تعجز سنيم عن الخروج من دائرة تصدير خامات الحديد بنسبة ثابته منذ عشرات السنين   و تفشل في تطوير نفسها او الدخول في مجال التصنيع المعدني الذي وضعت لبناته منذ تأميم الشركة من خلال شركة الصهر "صفا" التي تعاني سكرات الموت  ... بل الادهى ان رخص استخراج الفوسفات سحبت من الشركة  و تم التنازل عنها  ـ دون مناقصة طبعا ـ  لشركة هندية ، بل وصل الأمر لمنح رخص لشركات أخرى لمنافستها في قطاع تصدير الحديد ... في الوقت الذي تتخبط فيه سنيم  في تجارب خارجة عن تخصصها  و تعاني الأمرين  من جراء تهالك معداتها وعفونة ادارتها التي تقوّم موظفيها تبعا لنشاطهم في دعم الرئيس وبعدهم عن المعارضة وتسهيل الصفقات لأفراد عصابة  ولد عبد العزيز  ...


مناجم   تازيازت و اكجوجت  نموذج صارخ لفداحة الخطب و هول المصيبة ... اربعة في المائة من النحاس و ثلاثة في المائة من الذهب ومع هذا تمنع الشركتان جل العمال من حقوقهم و تنشر السموم دون حياء و لا مواربة** .


المخجل ان كل هذا يحدث بعد قرابة اربع عقود من تأميم شركة ميفرما  التي كانت تمنح نسبة افضل ، رغم ذلك اتخذ المختار ولد داداه ـ رحمه الله ـ القرار  بالتأميم رغم  الظروف الصعبة لموريتانيا السبعينات و غياب الكفاءات الوطنية ووطأة الهيمنة الفرنسية التي بلغ استيائها درجة التلويح بالتدخل العسكري.


في بلد مثل مصر ترفع الدولة قضية على شركة تستخرج  الذهب لأنها تعطي الدولة نصف الإنتاج فقط وهو ما رأى فيه نظام محمد مرسي المنتخب  نهبا صارخا تجاوز المعقول .*  أما في موريتانيا  فتحدث على هذه الجرائم بإشراف الجنرال و أزلامه  و مع هذا نراهم يرمون كل الأنظمة السابقة من الاستقلال حتى اليوم بالفساد و العجز ...!


من الغباء  البالغ ان نظن قبول قيادة البلد لنهب للخيرات  وازدراء حقوق العمال و سفك دمائهم  و هدر المال العام  في صفقات خاسرة مثل شراء الطائرات المتهالكة  مجرد من الغايات و المصالح ...


إنه الحلف غير المقدس  بين شركات اجنبية همها الوحيد الحصول على اقصى قدر من الارباح و حكام متأهبين في مقابل جزء من الغنائم لنهب اوطانهم و سفك دماء ابناء جلدتهم الذين تجرأوا على المطالبة بحقوق اقرتها كل امم العالم ...


لكل الله يا موريتانيا  الجميلة اليتيمة التي يسفك دمها على مذبح الشهوات المريضة لحكام لا تحركهم إلا غرائز منفلته و عقول خاوية و ضمائر عفنة.


فلتحرقي و طفلك الوليد
ليجمع الحديد بالحديد
و الفحم و النحاس بالنضار
و العالم القديم بالجديد
أبوك رائد المحيط نام في القرار
من مقلتيه لؤلؤ يبيعه التجار
وحظك الدموع و المحار ***




*٭* من  قصيدة رؤيا فوكاي لبدر شاكر السياب



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون