السبت، 22 أكتوبر 2011

طلع النهار


إنها الثورة ، أنظمة ضاربة في القدم تتلاشى في أيام وتختفي معها منظومات فكرية بأكملها ، أحزاب الدولة ، الجنرالات بالثياب المدنية، الانتخابات المحسومة في الشوط الأول ، إعلام الطبالين و حملة المباخر، فكرة التنمية في ظل الاستبداد، نظرية الحاكم القوي، و فلسفة العمالة لتثبيت العروش ، الشوارع البهية كواجهات عصرية لإخفاء البؤس الطاغي.

تعرى زين العابدين و حسني مبارك و ظهرا على حقيقتيهما ، كشف للملأ تاريخهم المزيف و انجازاتهم الهزيلة ، يرميهم الجميع بالأحذية و الأوحال ويتوارى منافقوهم في الظلام آملين أن ينسى الناس تاريخهم بل وجودهم من أساسه.ُ
اليمن يمور و البحرين تفور و شباب ليبيا يروي ثراه بشلالات من الدم علهم يطهرون أرض عمر المختار من أدران طاغية جعل من ليبيا لعقود اربع طوال مختبرا للأفكار و التقليعات المجنونة، وموضعا للسخرية و التنكيت بين امم العالم بشطحاته و نظرياته المضحكة.

في نفس الوقت يبادر ولد عبد العزيز للاتصال معلنا دعمه للطاغية المجنون كما تسابق داعموه لإصدار البيانات لمساندة القذافي بعد أن أعلنوا مبايعته بل وصل الأمر إلى قيام جنرالنا بافتتاح مركز لدراسات الكتاب الأخضر في جامعتنا اليتيمة المسكينة ...كل شيء في موريتانيا الجديدة قابل للبيع حتى عقول الأجيال.

ولد عبد العزيز خارج الزمن يعود في أيام الثورات لعالم الزيارات الكرنفالية و قصائد المديح الطنانة و الخاوية في أفضال الرئيس و ألطافه وبطولاته كأي دكتاتور إفريقي من سبعينيات القرن الماضي.

زيارة شنقيط وما رافقها من طقوس قفزة للخلف تستدعي ذكريات مؤلمة تصورنا خلال السنوات القليلة الماضية أنها انتهت إلى غير رجعة.
حق للموريتانيين ان يعتصرهم الألم وهم يرون العودة لعبادة الفرد رغم بعض المضحكات من هنا وهناك ، كتمثيل الرئيس دور "الكبيّ" الأمريكي ساعة سحب مسدس حارسه محاولا إصابة الأهداف التي يحاول آخرون إصابتها بالبنادق بعيدة المدى ، طبعا لم يوفق في التسديد لكن بقت في الذاكرة الجمعية تلك اللقطة الاستعراضية التي تشي بالكثير الكثير عن ثقافة الرجل المكتسبة من الأفلام الرديئة.َ

إنهم يحتقرون ذكاء الشعب الموريتاني ، فحين اكتشف العالم تقنيات سرقة بن علي من خلال بيع أراضي الدولة وشرائها عبر وكلاء و شركاء يبدؤون هم في بيع ساحة "بلوكات" بعد أن باعوا مليون متر مربع من أرض تفرغ زينة، ويبدو أن الإعداد يسير على قدم وساق لبيع المساكن الحكومية و طرد مجاميع المتقاعدين و اسر الشهداء.

في مواجهة الزخم الثوري الجديد أخذ كل الحكام العرب يراجعون سياساتهم، أما هنا فيتنطع مهرجو حزب الدولة ببيانات تستحضر الكثير من أدبيات الحزب الواحد، و فلسفة الهياكل ، ونظريات المستقلين، فنراهم يسبون المعارضة بفاحش القول وركيكه ، رافضين أي مقارنة بين حال تونس ومصر وحالة موريتانيا.

من باب الإنصاف هنالك بعض الصدق فيما يقول أصحاب حزب الدولة، فموريتانيا لا تشبه تونس و لا مصر ، فهي تحتهم في كل شيء بدأ بمعايير الشفافية و نسب الأمية و عدد وفيات الأطفال و انتشار الجوع و الفقر و والبطالة. أما على مستوى القيادات فجنرالنا تحتهم أيضا في طول القامة وبهاء الطلعة و تحتهم في المستوى الثقافي فهم يقرؤون و يكتبون بشكل صحيح..

هنالك مجالان نتفوق فيهما بجدارة أولهما السرعة، فزين العابدين ومبارك انحرفا نحو الفساد عبر عقود من الحكم.. وأما المجال الآخر فهو العمالة للأجنبي فبن علي ومبارك ساندا سادتهم الغربيين في صراعاتهم، و لكنهما لم يقبلا أبدا أن يخوضا عنهم حروبا بشكل منفرد.
ستشرق شمس الحرية و لن تحجب نورها قامات قصيرة و لا قصاصات بيانات رخيصة ولا تلال المال الحرام.

أكاد ألمح عبر زاخرة البحار

في كل منعطف و درب أو طريق أو زقاق

عبر الموانئ و الدروب

فيه الوجوه الضاحكات تقول قد هرب التتار

طلع النهار فلا غروب

نشر في تقدمي بتاريخ 21/2/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون